علا عطا الله:
من هي راحيل؟
"امـرأةٌ جميــلة طـويلة القـامة تـرتدي زيا فلسطينيا.. ظهرت لنا فجـأة وقالت: إياكم أن تدخلوا هذا البيت.. إنـه مليءٌ بالألغام.. فكـرنا قليلا ثـم قررنا الامتثـال لها.. وما هي إلا لحظات وانفجـر البيت وانهـار.. اختفت المـرأة الجميـلة.. ثم ظهرت مرتين مجددا لتُحذرنا.. فأمسكنا بها وسألناها عن قصتـها، وما الذي يجعـل امرأة فلسطينيـة تُحذر جنـودا جاءوا ليقتلوا شعبـها.. فأجابت: "لأنني أحبـكم.. أنا أمكـم راحيـل".
هذه روايـة يتداولها الكثير من الجنـود الإسرائيليين العائدون من قطاع غــزة بـعد حرب إسرائيلية همجية على القطاع دامت 22 يوما، موقعا بنحو 1315 شهيدا و 5300 جريح، نصفهم تقريبا من النساء والأطفال.
و قد علق على هذه الرواية أستاذ فلسطيني في التاريخ، وخبير في الشأن اليهودي لـ"إسلام أون لاين.نت" قائلا: إنه "لا أساس علمي لها؛ فراحيل، وهي زوجـة النبي يعقوب، وأم النبي يوسف، لم يعرف عنها أنها شاركت يوما في القتال أو باركت إبادة الأطفال والنساء".
هنا لغم فاحذر
رواية "راحيل" المزعومة في غزة سردها جندي إسرائيلي، رفض ذكر اسمه، لوسائل إعلام إسرائيلية، قائلا إنه خلال محاولة اقتحام بيت في شمال غزة ظهرت فجأة امرأة جميلة طويلة القامة ترتدي زيا فلسطينيا، وقالت لنا: لا تدخلوا هذا البيت، إنه مليء بالألغام، وبعد أن فكرنا قليلا قررنا الامتثال لها.. وما هي إلا لحظات حتى انفجر البيت وانهار.
ويضيف: اختفت المرأة وواصلنا التقدم.. اقتربنا من مسجد فوصلت إلينا معلومات بأنه يحتوي على أسلحة ومتفجرات.. وفجأة ظهرت لنا المرأة من جديد، وقالت: أحذركم من دخول هذا المسجد أيضا، فهو ملغوم.. تراجعنا على الفور، وهذه المرة من دون تردد، وبالفعل، انفجر المسجد وانهار بعد دقائق.
ويواصل الجندي روايته: "تكرر الأمر للمرة الثالثة في اليوم نفسه، لكن هذه المرة أمسكنا بها وسألناها عن قصتها، وما الذي يجعل امرأة فلسطينية تحذر الجنود اليهود الذين يهاجمون شعبها وتنقذهم من الموت المحقق، فأجابت: لأنني أحبكم ولا أريد لكم سوى الخير، وسألناها: ومن أنت؟، فأجابت: أنا أمكم راحيل، واختفت من جديد".
و"راحيل" هي زوجة النبي يعقوب وأم النبي يوسف عليـه السلام، ويعتبرها اليهود واحدة من الأمهات الأربع لليهودية، كونها امرأة باركها الله سبحانه وتعالى، ولها ضريح في مدخل مدينة بيت لحم، أصبح مزارا لليهود عموما وللنساء المصابات بالعقم بشكل خاص؛ لأن الله رزقها بيوسف وشقيقه بنيامين بعد أكثر من 20 سنة من زواجها.
غباء أو خيال
الرواية لم تقتصر على ألسنة الجنود، الذين صدّق بعضهم تفاصيلها وسخـر قسمٌ آخـر منها، بل امتدت لتصل إلى رجال الدين اليهود، وتبناها الحاخام الأكبر، مردخاي إلياهو، الزعيم الروحي لليهود المتدينين الأشكيناز، وأكبر رجل دين للتيار القومي في الحركة الصهيونية، الذي يتبعه غالبية المستوطنين.
وقال إلياهو: إن الرواية واقعيـة، وإنه بنفسه دعا الأم راحيل إلى الصلاة من أجل الجنود الإسرائيليين في غزة، وأن تباركهم وتبعد عنهم "لعنة" الفلسطينيين.
نجله شلومو إلياهو، وهو الحاخام الأكبر بمدينة صفد، نشر بدوره هذه الرواية لتصل إلى الشارع، فالصحافة.
بينما هاجم بعض رجال الدين الرواية، ومنهم الحاخام يوفال شيرلو، الذي قال: "ما من شك أن الله وسيدتنا راحيل وكل القديسين وقفوا وراء جنود الجيش الإسرائيلي في الجبهة، وصلوا من أجل النصر".
وتابع: "ولكن القصة كما رواها الجنود ورددها وراءهم رجال دين هي قصة وهمية لا أساس لها من الصحة، وكل عاقل يعرف أنها نتاج خيال، واخترعها جندي يتسم بالغباء الشديد، أو الخيال الكاذب، أو جندي يتمتع بروح فكاهة عالية، ويكره الدين، ويعتقد أنه بهذه الرواية يحط من قدره بين العلمانيين".
وسخر العلمانيون في إسرائيل من هذه الرواية، ومن رجال الدين الذين يرددونها، وقالوا إنها "تُقلل من شأن الجنود الذين يضحون بأرواحهم في سبيل أمن الشعب اليهودي، ثم يأتي رجال دين سخيفون ينسبون النصر لهم، وهم في بيوتهم يأكلون ويشربون".
رواية غــزة
الدكتور زكريا السنوار، أستاذ التاريخ في الجامعة الإسـلامية بغـزة، والخبيـر في الشأن اليهـودي قال: إن "راحيل شخصيـة يُقدسها اليـهود، وكتبت التوراة عن تضحياتها، وإن الله باركها، لكن لم تذكر الديانات ولا كتبهم أن راحيل كانت امرأة مقاتـلة، أو شاركت في القتال في يوم من الأيام، أو باركت إبادة الأطفال والنساء".
وشدد على أن "ما يتداوله الجنود الإسرائيليون كـلام لا أساس علمي لـه، ولم يرد في كتبهم أن شخصيات دينية قاتلت أو شاركت في القتال، وحديثهم عن ارتدائها (راحيل) الزي الفلسطيني ربما يعود لأنها أقامت في مدن فلسطينية عدة، أهمها الخليل وبيت لحم".
ويرى د. السنوار في حديث لـ"إسلام أون لاين.نت" أن "إسرائيل حـاولت من البداية إظهار أن حربها دينية.. فالنظرة الدينية والقراءة الفاحصة للتوراة تكشف عن البعد الدموي الذي يأمر بقتل الصغار".
واعتبر أن "تكرار الحديث عن ظهور راحيل خلال الحرب يدلل على أن الجنود الإسرائيليين يفتقدون للحس العسكري.. وهل كانوا ينتظرون راحيل لترشدهم عن أماكن تواجد المقاومة والألغام؟!. هل راحيل ستكون أفضل من وسائل تجسسهم وتقنيتهم الهائـلة؟!".
وأضاف: "بعد أن فشلت أهدافهم السياسية حاول الجنـود إضفاء هالة من القداسة والبعد الديني.. حديثهم عن راحيل لا يرتبط بأي بعد تاريخي أو ديني.. هي فقط محاولة ساذجة لتقليد ما تحدث بـه أهالي غـزة عن آيات الله ومبشرات النصـر في المعـركة.. فإسرائيل وجنودها يقولون لغزة إن الملائكة أيضا قاتلت معنا".
حرب دينية
وكان مقاومـون فلسطينيون قد أكدوا لـ"إسلام أون لاين.نت" أن اللـه أنزل إليهم جندا من السماء لمؤازرتهم، فأنزل الضباب الكثيف الذي مكنهم من زرع وتفجير العبوات الناسفة في آليات الاحتلال العسكرية.
ونقـل شهـود عيان أن منصات الصواريخ كانت أمام أعين طائرات الاستطلاع الإسرائيلية دون أن ترصدها، وأقسم آخرون سماعهم لصوت خيـلٍ يُجـاهد بمعيتهم، وقصف يستهدف مقاومين دون أن يُصيبهم بأذى.
ويروي طبيب أنه: "استوقفنا ذات مرة جنود الاحتلال ونحن ذاهبون لانتشال جريح شمال غزة، وأخذوا يُطلقون الرصاص حول أقدامنا دون توقف.. سألناهم لماذا تفعلون ذلك؟.. لا صواريخ معنا ولا مدافع... فأجاب أحدهم بلكنة عربية مُكسرة: أنتم ترتدون الزي الأبيض.. أنتم ملائكـة.. تُحاربون مع حماس".
وخـلال الحرب على غـزة نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية صورا لجندي على ظهر دبابة يقرأ التلمود، وثانٍ يؤدي بعض الطقوس الدينية قبل إطلاقه القذائف، وثالث يرتدي القلنسوة الرمز الديني اليهودي.
وبحسب الصحافة الإسرائيلية فإن عددا كبيرا من المتدينين شاركوا في الحرب على غزة، ولم تتوقف الفتاوى الدينية اليهودية الداعية إلى قتل المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ وقصف البيوت والمساجد.
من جهة ثانية علق الكاتب طارق حميدة:
تحليل عناصر الأسطورة
1) الخوف الشديد الذي كان يعانيه الجنود الصهاينة، كان يدفعهم إلى التفكير بالارتماء في أحضان أمهاتهم، هرباً من الأخطار والويلات التي كانوا يواجهونها، أو يخشون مواجهتها في قطاع غزة، وقد تحدثت شهادات للمجاهدين عن تكرر صراخ جنود الاحتلال خلال المعركة مستغيثين بأمهاتهم: إيما.. إيما.
وبما أن هذا الشعور كان جماعياً؛ فقد بحث العقل الجمعي عن أم تشمل كل الجنود، وبالتالي كان التوجه إلى أم الإسرائيليين: راحيل.
2) والنصائح التي قدمتها أمهم جميعها تحذيرية، وهي تعكس من جهة السلوك الحذر الخائف الذي كان يعتري الجنود، وأن كل شيء في غزة كان يشكل عنصر خوف وقلق لهؤلاء الجنود، وبالتالي فإن الإحجام كان هو السلوك الأغلب للجنود، بل كانت تعليمات القيادة تأمر به وتعززه، وقد تحدثت مصادر المقاومة الفلسطينية عن تلغيم عدد من البيوت وتفجيرها في الجنود الصهاينة إلى الحد الذي جعل مجرد التفكير في دخول بيت فلسطيني كابوسا ومصدر رعب شديد، أكدته هذه الشائعة الأسطورة، ومن جهة أخرى فإن المساجد لها خصوصية في تشكيل الخوف لدى الصهاينة كون أغلب المجاهدين تخرّجوا منها، وبالتالي تصوروها ملغمة لأنها بالنسبة إليهم تخرج القنابل البشرية.
3) وحيث قد عاد هؤلاء الجنود سالمين فإن الأسطورة تتحدث في المرات الثلاث عن نجاتهم بالإحجام، وكأنها رسالة تبرر جبنهم عن المواجهة أمام أنفسهم ومجتمعهم، وكذلك فهي تظهر أن شاغلهم الأهم خلال المعركة وقبلها وبعدها كان هو العودة إلى أمهاتهم سالمين، لا أن يحققوا أي انتصار أو إنجازات عسكرية أخرى، وكون هذه الشائعة لا تنحصر في الجنود بل تتعداهم إلى المجتمع الحاضن فإنها تشير إلى أن المجتمع يشاركهم في أن السلامة والعودة هي الهدف الأساس.
4) لماذا تخيلوا أمهم فتاة جميلة؟ لأن نهاية القصة بعودتهم سالمين هي نهاية سعيدة ولو كانت غير ذلك لربما كانت في غاية القبح، وهي ترتدي زياً فلسطينياً للتمويه، ولأنه لا يتوقع رؤية نساء بالأزياء اليهودية في القطاع، وكونها طويلة ليروها جيداً، وإمساكها في المرة الثالثة بعدما اطمأنوا لها، ولأنهم – كجيش جبان- لا يتجرؤون إلا على الضعفاء من النساء والأطفال دون الشباب المقاوم، ولماذا تكررت النصيحة ثلاث مرات؟ ذلك ليتعزز أن القصة حقيقية، والعدد ثلاثة فيه معنى التمام والكمال وحصول المقصود، ولماذا تحذرهم أمهم وتعزز فيهم الإحجام ولا تدلهم على موقع يقتحمونه؟ لأن أمهاتهم ودولتهم وغالب المجتمع يفكرون بهذه الطريقة، والقيمة العليا هي للسلامة لا للتضحية.
5) واللجوء إلى راحيل أيضاً، كرمز ديني، وتسببها في نجاة الجنود بهذه الطريقة الأسطورية، يشير إلى شعور الجنود الصهاينة بأن نجاتهم في المعركة وعودتهم سالمين منها، كان معجزة، فقد كان الموت يتربص بهم خلف كل جدار وتحت كل سقف.
من هي راحيل؟
"امـرأةٌ جميــلة طـويلة القـامة تـرتدي زيا فلسطينيا.. ظهرت لنا فجـأة وقالت: إياكم أن تدخلوا هذا البيت.. إنـه مليءٌ بالألغام.. فكـرنا قليلا ثـم قررنا الامتثـال لها.. وما هي إلا لحظات وانفجـر البيت وانهـار.. اختفت المـرأة الجميـلة.. ثم ظهرت مرتين مجددا لتُحذرنا.. فأمسكنا بها وسألناها عن قصتـها، وما الذي يجعـل امرأة فلسطينيـة تُحذر جنـودا جاءوا ليقتلوا شعبـها.. فأجابت: "لأنني أحبـكم.. أنا أمكـم راحيـل".
هذه روايـة يتداولها الكثير من الجنـود الإسرائيليين العائدون من قطاع غــزة بـعد حرب إسرائيلية همجية على القطاع دامت 22 يوما، موقعا بنحو 1315 شهيدا و 5300 جريح، نصفهم تقريبا من النساء والأطفال.
و قد علق على هذه الرواية أستاذ فلسطيني في التاريخ، وخبير في الشأن اليهودي لـ"إسلام أون لاين.نت" قائلا: إنه "لا أساس علمي لها؛ فراحيل، وهي زوجـة النبي يعقوب، وأم النبي يوسف، لم يعرف عنها أنها شاركت يوما في القتال أو باركت إبادة الأطفال والنساء".
هنا لغم فاحذر
رواية "راحيل" المزعومة في غزة سردها جندي إسرائيلي، رفض ذكر اسمه، لوسائل إعلام إسرائيلية، قائلا إنه خلال محاولة اقتحام بيت في شمال غزة ظهرت فجأة امرأة جميلة طويلة القامة ترتدي زيا فلسطينيا، وقالت لنا: لا تدخلوا هذا البيت، إنه مليء بالألغام، وبعد أن فكرنا قليلا قررنا الامتثال لها.. وما هي إلا لحظات حتى انفجر البيت وانهار.
ويضيف: اختفت المرأة وواصلنا التقدم.. اقتربنا من مسجد فوصلت إلينا معلومات بأنه يحتوي على أسلحة ومتفجرات.. وفجأة ظهرت لنا المرأة من جديد، وقالت: أحذركم من دخول هذا المسجد أيضا، فهو ملغوم.. تراجعنا على الفور، وهذه المرة من دون تردد، وبالفعل، انفجر المسجد وانهار بعد دقائق.
ويواصل الجندي روايته: "تكرر الأمر للمرة الثالثة في اليوم نفسه، لكن هذه المرة أمسكنا بها وسألناها عن قصتها، وما الذي يجعل امرأة فلسطينية تحذر الجنود اليهود الذين يهاجمون شعبها وتنقذهم من الموت المحقق، فأجابت: لأنني أحبكم ولا أريد لكم سوى الخير، وسألناها: ومن أنت؟، فأجابت: أنا أمكم راحيل، واختفت من جديد".
و"راحيل" هي زوجة النبي يعقوب وأم النبي يوسف عليـه السلام، ويعتبرها اليهود واحدة من الأمهات الأربع لليهودية، كونها امرأة باركها الله سبحانه وتعالى، ولها ضريح في مدخل مدينة بيت لحم، أصبح مزارا لليهود عموما وللنساء المصابات بالعقم بشكل خاص؛ لأن الله رزقها بيوسف وشقيقه بنيامين بعد أكثر من 20 سنة من زواجها.
غباء أو خيال
الرواية لم تقتصر على ألسنة الجنود، الذين صدّق بعضهم تفاصيلها وسخـر قسمٌ آخـر منها، بل امتدت لتصل إلى رجال الدين اليهود، وتبناها الحاخام الأكبر، مردخاي إلياهو، الزعيم الروحي لليهود المتدينين الأشكيناز، وأكبر رجل دين للتيار القومي في الحركة الصهيونية، الذي يتبعه غالبية المستوطنين.
وقال إلياهو: إن الرواية واقعيـة، وإنه بنفسه دعا الأم راحيل إلى الصلاة من أجل الجنود الإسرائيليين في غزة، وأن تباركهم وتبعد عنهم "لعنة" الفلسطينيين.
نجله شلومو إلياهو، وهو الحاخام الأكبر بمدينة صفد، نشر بدوره هذه الرواية لتصل إلى الشارع، فالصحافة.
بينما هاجم بعض رجال الدين الرواية، ومنهم الحاخام يوفال شيرلو، الذي قال: "ما من شك أن الله وسيدتنا راحيل وكل القديسين وقفوا وراء جنود الجيش الإسرائيلي في الجبهة، وصلوا من أجل النصر".
وتابع: "ولكن القصة كما رواها الجنود ورددها وراءهم رجال دين هي قصة وهمية لا أساس لها من الصحة، وكل عاقل يعرف أنها نتاج خيال، واخترعها جندي يتسم بالغباء الشديد، أو الخيال الكاذب، أو جندي يتمتع بروح فكاهة عالية، ويكره الدين، ويعتقد أنه بهذه الرواية يحط من قدره بين العلمانيين".
وسخر العلمانيون في إسرائيل من هذه الرواية، ومن رجال الدين الذين يرددونها، وقالوا إنها "تُقلل من شأن الجنود الذين يضحون بأرواحهم في سبيل أمن الشعب اليهودي، ثم يأتي رجال دين سخيفون ينسبون النصر لهم، وهم في بيوتهم يأكلون ويشربون".
رواية غــزة
الدكتور زكريا السنوار، أستاذ التاريخ في الجامعة الإسـلامية بغـزة، والخبيـر في الشأن اليهـودي قال: إن "راحيل شخصيـة يُقدسها اليـهود، وكتبت التوراة عن تضحياتها، وإن الله باركها، لكن لم تذكر الديانات ولا كتبهم أن راحيل كانت امرأة مقاتـلة، أو شاركت في القتال في يوم من الأيام، أو باركت إبادة الأطفال والنساء".
وشدد على أن "ما يتداوله الجنود الإسرائيليون كـلام لا أساس علمي لـه، ولم يرد في كتبهم أن شخصيات دينية قاتلت أو شاركت في القتال، وحديثهم عن ارتدائها (راحيل) الزي الفلسطيني ربما يعود لأنها أقامت في مدن فلسطينية عدة، أهمها الخليل وبيت لحم".
ويرى د. السنوار في حديث لـ"إسلام أون لاين.نت" أن "إسرائيل حـاولت من البداية إظهار أن حربها دينية.. فالنظرة الدينية والقراءة الفاحصة للتوراة تكشف عن البعد الدموي الذي يأمر بقتل الصغار".
واعتبر أن "تكرار الحديث عن ظهور راحيل خلال الحرب يدلل على أن الجنود الإسرائيليين يفتقدون للحس العسكري.. وهل كانوا ينتظرون راحيل لترشدهم عن أماكن تواجد المقاومة والألغام؟!. هل راحيل ستكون أفضل من وسائل تجسسهم وتقنيتهم الهائـلة؟!".
وأضاف: "بعد أن فشلت أهدافهم السياسية حاول الجنـود إضفاء هالة من القداسة والبعد الديني.. حديثهم عن راحيل لا يرتبط بأي بعد تاريخي أو ديني.. هي فقط محاولة ساذجة لتقليد ما تحدث بـه أهالي غـزة عن آيات الله ومبشرات النصـر في المعـركة.. فإسرائيل وجنودها يقولون لغزة إن الملائكة أيضا قاتلت معنا".
حرب دينية
وكان مقاومـون فلسطينيون قد أكدوا لـ"إسلام أون لاين.نت" أن اللـه أنزل إليهم جندا من السماء لمؤازرتهم، فأنزل الضباب الكثيف الذي مكنهم من زرع وتفجير العبوات الناسفة في آليات الاحتلال العسكرية.
ونقـل شهـود عيان أن منصات الصواريخ كانت أمام أعين طائرات الاستطلاع الإسرائيلية دون أن ترصدها، وأقسم آخرون سماعهم لصوت خيـلٍ يُجـاهد بمعيتهم، وقصف يستهدف مقاومين دون أن يُصيبهم بأذى.
ويروي طبيب أنه: "استوقفنا ذات مرة جنود الاحتلال ونحن ذاهبون لانتشال جريح شمال غزة، وأخذوا يُطلقون الرصاص حول أقدامنا دون توقف.. سألناهم لماذا تفعلون ذلك؟.. لا صواريخ معنا ولا مدافع... فأجاب أحدهم بلكنة عربية مُكسرة: أنتم ترتدون الزي الأبيض.. أنتم ملائكـة.. تُحاربون مع حماس".
وخـلال الحرب على غـزة نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية صورا لجندي على ظهر دبابة يقرأ التلمود، وثانٍ يؤدي بعض الطقوس الدينية قبل إطلاقه القذائف، وثالث يرتدي القلنسوة الرمز الديني اليهودي.
وبحسب الصحافة الإسرائيلية فإن عددا كبيرا من المتدينين شاركوا في الحرب على غزة، ولم تتوقف الفتاوى الدينية اليهودية الداعية إلى قتل المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ وقصف البيوت والمساجد.
من جهة ثانية علق الكاتب طارق حميدة:
تحليل عناصر الأسطورة
1) الخوف الشديد الذي كان يعانيه الجنود الصهاينة، كان يدفعهم إلى التفكير بالارتماء في أحضان أمهاتهم، هرباً من الأخطار والويلات التي كانوا يواجهونها، أو يخشون مواجهتها في قطاع غزة، وقد تحدثت شهادات للمجاهدين عن تكرر صراخ جنود الاحتلال خلال المعركة مستغيثين بأمهاتهم: إيما.. إيما.
وبما أن هذا الشعور كان جماعياً؛ فقد بحث العقل الجمعي عن أم تشمل كل الجنود، وبالتالي كان التوجه إلى أم الإسرائيليين: راحيل.
2) والنصائح التي قدمتها أمهم جميعها تحذيرية، وهي تعكس من جهة السلوك الحذر الخائف الذي كان يعتري الجنود، وأن كل شيء في غزة كان يشكل عنصر خوف وقلق لهؤلاء الجنود، وبالتالي فإن الإحجام كان هو السلوك الأغلب للجنود، بل كانت تعليمات القيادة تأمر به وتعززه، وقد تحدثت مصادر المقاومة الفلسطينية عن تلغيم عدد من البيوت وتفجيرها في الجنود الصهاينة إلى الحد الذي جعل مجرد التفكير في دخول بيت فلسطيني كابوسا ومصدر رعب شديد، أكدته هذه الشائعة الأسطورة، ومن جهة أخرى فإن المساجد لها خصوصية في تشكيل الخوف لدى الصهاينة كون أغلب المجاهدين تخرّجوا منها، وبالتالي تصوروها ملغمة لأنها بالنسبة إليهم تخرج القنابل البشرية.
3) وحيث قد عاد هؤلاء الجنود سالمين فإن الأسطورة تتحدث في المرات الثلاث عن نجاتهم بالإحجام، وكأنها رسالة تبرر جبنهم عن المواجهة أمام أنفسهم ومجتمعهم، وكذلك فهي تظهر أن شاغلهم الأهم خلال المعركة وقبلها وبعدها كان هو العودة إلى أمهاتهم سالمين، لا أن يحققوا أي انتصار أو إنجازات عسكرية أخرى، وكون هذه الشائعة لا تنحصر في الجنود بل تتعداهم إلى المجتمع الحاضن فإنها تشير إلى أن المجتمع يشاركهم في أن السلامة والعودة هي الهدف الأساس.
4) لماذا تخيلوا أمهم فتاة جميلة؟ لأن نهاية القصة بعودتهم سالمين هي نهاية سعيدة ولو كانت غير ذلك لربما كانت في غاية القبح، وهي ترتدي زياً فلسطينياً للتمويه، ولأنه لا يتوقع رؤية نساء بالأزياء اليهودية في القطاع، وكونها طويلة ليروها جيداً، وإمساكها في المرة الثالثة بعدما اطمأنوا لها، ولأنهم – كجيش جبان- لا يتجرؤون إلا على الضعفاء من النساء والأطفال دون الشباب المقاوم، ولماذا تكررت النصيحة ثلاث مرات؟ ذلك ليتعزز أن القصة حقيقية، والعدد ثلاثة فيه معنى التمام والكمال وحصول المقصود، ولماذا تحذرهم أمهم وتعزز فيهم الإحجام ولا تدلهم على موقع يقتحمونه؟ لأن أمهاتهم ودولتهم وغالب المجتمع يفكرون بهذه الطريقة، والقيمة العليا هي للسلامة لا للتضحية.
5) واللجوء إلى راحيل أيضاً، كرمز ديني، وتسببها في نجاة الجنود بهذه الطريقة الأسطورية، يشير إلى شعور الجنود الصهاينة بأن نجاتهم في المعركة وعودتهم سالمين منها، كان معجزة، فقد كان الموت يتربص بهم خلف كل جدار وتحت كل سقف.
0 التعاليق:
إرسال تعليق