أسباب فوز محمود أحمدي نجاد بالانتخابات الايرانية


فوز نجاد .. أسرار وتداعيات

بالرغم أن انتخابات الرئاسة 2009 في إيران لم تكن كسابقاتها بما شهدته من استقطاب حاد وأعمال عنف في أعقاب إعلان فوز نجاد ، غير أن نتائجها لم تشكل مفاجأة للمتابعين للسياسة الإيرانية التي كانت ومازالت تدور في فلك مرشد الجمهورية الإسلامية على خامنئي.

ففوز نجاد كان متوقعا لأنه مازال يحظى بدعم مؤسسات الدولة التي يسيطر عليها التيار المحافظ ، كما أن فوزه كان بمثابة تحد واضح لدعوات الحوار التي أطلقتها إدارة أوباما وتأكيد رسالة مفادها أن إيران ليست مستعدة للتجاوب مع التغيير الذي جاء به أوباما ما لم تصاحبه تغييرات فعلية على أرض الواقع وخاصة فيما يتعلق بحقها في تخصيب اليورانيوم والاعتراف بأنها دولة إقليمية كبيرة.

وهناك أمر آخر جوهري وهو أن الذي يحكم إسرائيل هو اليمين المتطرف الذي يهدد ليل نهار بضرب إيران وهذا الأمر يحتاج لشخص بحدة وصرامة نجاد وليس بهدوء واعتدال موسوي ، فالنبرة الهائة قد ترسل رسالة خاطئة لتل أبيب بأن إيران في موقف ضعيف ، كما أن نجاد نجح خلال السنوات الأربع الماضية في وضع إيران في خانة الدول الكبرى في الشرق الأوسط ، ما أجبر واشنطن على السعي للحوار معها.

ويبدو أن موقف نجاد خلال مؤتمر مكافحة العنصرية الذي عقد مؤخرا في جنيف أقنع الإيرانيين بأنه الشخص المناسب لتولي مقاليد السلطة في إيران ، فبالرغم من أن الرئيس سواء كان من المحافظين أو من الإصلاحيين ينفذ السياسة التي يرسمها المرشد ، إلا أن هناك سمات شخصية ترجح كفة رئيس على آخر وأبرزها قوته وصرامته في الحرب الإعلامية التي يشنها الغرب ضد إيران ، وهذا ما ظهر في صموده واتزانه في الرد على موقفه في الاستفزازات التي نظمها أنصار إسرائيل في قاعة المؤتمر ، بل وأحرج الغرب في عقر داره عندما أكد أنه يرفض حرية التعبير عندما يتعلق الأمر بانتقاد إسرائيل ، فيما يتمسك بها عند الإساءة للمسلمين.

وبالنسبة للداخل الإيراني ، فإن نجاد وإن كان لا يحظى بدعم فئات واسعة في المدن وخاصة في أوساط الشباب والنساء ، فإنه يتمتع بتأييد واسع في القرى والمناطق النائية في إيران وهى التي تضم أغلبية الناخبين.

فالناس في الأرياف انهمرت عليها العطايا وفرص العمل من قبل نجاد حيث يلقب بـ "نصير الفقراء " ، ورغم أن خصومه يأخذون عليه ضعف الأداء الاقتصادي ، إلا أن نجاد برر ذلك بالحصار المفروض على إيران والأزمة المالية العالمية والذي لم يمنعه رغم ذلك من تطوير قوة إيران العسكرية والتكنولوجية.

أيضا فإن الآراء الإصلاحية لمنافس نجاد في انتخابات الرئاسة مير حسين موسوي يبدو أنها لم تجد بعد الأرضية الخصبة في المجتمع الإيراني المحافظ ، صحيح أن آرائه الإصلاحية تحظى بتأييد فئات واسعة من الشباب والنساء في المدن لدرجة أنه أطلق عليه "معشوق النساء" بعد أن تعهد بتوفير أكبر قدر من الحرية لهن ، إلا أن هذا لم يمنع كثيرين في إيران من القلق من تهديد ذلك للمجتمع المحافظ ولمباديء الثورة الإسلامية.

ويبدو أن إشارات التأييد التي حظى بها موسوي في الغرب جاءت هى الأخرى في صالح نجاد ، حيث وصف المقربون من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي المرشحين الإصلاحيين في انتخابات الرئاسة بالعمالة لواشنطن.

ويبقى التساؤل الجوهري " ما هى تداعيات فوز نجاد داخليا وخارجيا؟".

رغم أعمال العنف التي شهدتها عدد من المدن وخاصة العاصمة طهران احتجاجا على فوز نجاد ، إلا أن التوقعات ترجح عودة الأمور للهدوء بالنظر إلى أن موسوي وإن كان رفض نتائج الانتخابات إلا أنه لن يستطيع تحدي مرشد الجمهورية الذي طالب الجميع بالتزام الهدوء ، كما أن تلك الاحتجاجات هى أمر طبيعي بالنظر لأن أنصار موسوي كانوا من الشباب وهم معروف عنهم الاندفاع ، كما أن دعاوى التزوير لن تؤتي ثمارها بالنظر لسيطرة التيار المحافظ على مؤسسات الدولة.

فالمحافظون يسيطرون على مراكز حساسة فى إيران من بينها مجلس الخبراء الذي ينتخب ويعزل مرشد الجمهورية ، ومجمع تشخيص مصلحة النظام، الذي يضطلع بحل الخلافات الدستورية ، ويعتبر أعلى هيئة لاتخاذ القرار في البلاد ، ومجلس صيانة الدستور الذي يصادق علي قرارات البرلمان ويحق له رفض أو إقرار تلك القرارات ، وله أيضا سلطة الاعتراض على مرشحي البرلمان ورئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الخبراء ، ومجلس الأمن القومي ، والسلطة القضائية، والجيش، والحرس الثوري، وقوات الشرطة، والإذاعة والتلفزيون، والحوزة الدينية، وأئمة المساجد، وعدد من المؤسسات المالية والاقتصادية الكبرى شبه الحكومية،إضافة إلى قسم كبير من شركات القطاع الخاص .

أما بالنسبة للانعكاسات الخارجية ، فإنه ليس من المتوقع أن يطرأ تغيير كبير وجوهري على سياسات إيران الإقليمية وخاصة فيما يتعلق بدعم حركات المقاومة في فلسطين ولبنان ، لقد انتاب حركات المقاومة القلق من احتمال انتهاء الدعم الإيراني في حال فاز موسوي ، إلا أن الأمور جاءت في النهاية لصالحها .

وكان محمد سلامتي وهو عضو في جبهة الإصلاح صرح بأنه في حال فوز مير حسين موسوي فإن إيران ستعيد النظر في الكثير من القضايا الإقليمية ، وقال :"إنني أعتقد إنه إذا ما حالف الحظ موسوي بالفوز فإن إيران ستعيد النظر في علاقتها مع المقاومة اللبنانية والفلسطينية لأنه لا داع لتبديد أموال الشعب إلى هناك وشعبنا جائع" ، وأضاف قائلا :" مالنا والقضية الفلسطينية واللبنانية،هناك حكومات وهناك شعوب هي تقرر فلماذا يدس الإخوة أنوفهم هناك؟".

وبالنسبة للعلاقات مع واشنطن ، فإنه لا يتوقع أن تشهد تغييرا جوهريا لعدد من الاعتبارات ، أبرزها أن ملف العلاقات الإيرانية - الأمريكية بيد مرشد الجمهورية آية الله علي خامنئي الذى لايزال يرفض التطبيع مع أمريكا ، كما أن إيران وأمريكا تصران على شروطهما السابقة ، فإيران تريد رفع الحجز على أموالها المجمدة وهي عشرة مليارات دولار وعدم التدخل في شئونها الداخلية وإلغاء المقاطعة التجارية والاقتصادية وهذه تقابلها شروط أمريكية هي عدم معارضة ايران لعملية السلام بين إسرائيل والعرب وتوقف إيران عن دعم حركات المقاومة فى لبنان وفلسطين وتخليها عن طموحاتها لامتلاك أسلحة دمار شامل.

فضلا عن أن شعور الإيرانيين بتطور قوتهم العسكرية وتعزيز علاقاتهم الخارجية وخاصة مع روسيا وتركيا يمنعهم من إبداء مرونة كبيرة نحو التطبيع مع الأمريكيين ، فالإيرانيون الذين ظلوا يعارضون تطبيع العلاقات مع أمريكا في ظل الظروف الصعبة التي اجتازوها خلال حرب الخليج الأولي والثانية ، من المستبعد أن يغيروا مواقفهم بسهولة تجاه أمريكا في ظل اعتقاد راسخ بأن ثورتهم وإسقاط نظام الشاه كان وراء إثارة الرأى العام العربى والإسلامى ضد أمريكا وإسرائيل.

والخلاصة أنه بعد فوز نجاد فإن شكل الخطاب الإيراني لن يشهد تغيرا جوهريا طالما لم تترجم واشنطن أقوالها إلى أفعال.

نتائج الانتخابات



احتجاجات لأنصار موسوي
وكان نجاد فاز بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 يونيو / حزيران ، وأعلن وزير الداخلية الإيراني صادق محصولي أن نجاد فاز في الانتخابات الرئاسية العاشرة بعد حصوله على 24 مليونا و527 ألفا و 516 صوتا أي بنسبة 62,63 بالمائة من مجموع الأصوات ، فيما حصل مير حسين موسوي على 13 مليونا و 216 ألفا و 411 صوتا أي بنسبة 33,75 بالمائة من الأصوات ، وحاز المرشح عن التيار المحافظ محسن رضائي على 678 ألفا و240 صوتا أي بنسبة 1,73 بالمائة من مجموع الأصوات ، فيما حصل مهدي كروبي علي 333 الفا و 635 صوتا أي بنسبة 0,85 بالمائة من الأصوات.

واستنكر مؤيدو موسوي ما وصفوه بالتلاعب بنتائج التصويت، واصطدموا برجال شرطة مكافحة الشغب في طهران .

ورغم أن أنصار موسوي دعوا إلى إعادة عملية الاقتراع التي وصفها المرشح الإصلاحي بأنها كانت "مهزلة" ، إلا أن المراقبين يقولون إن دعوة مؤيدي موسوي هذه لا أمل لها بالنجاح في ضوء تأييد خامنئي للنتائج.

وكان المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي وصف انتصار نجاد الكاسح بالاحتفال الحقيقي ، وجاء في تصريح رسمي لخامنئي بثه التليفزيون الإيراني أن مشاركة أكثر من ثمانين بالمائة من الناخبين والأصوات البالغة 24 مليونا لرئيس الجمهورية المنتخب هي احتفال حقيقي حيث يسعى من أسماهم الأعداء من خلال تحريكات مغرضة لإزالة حلاوة مذاقه من الشعب.

وأضاف خامنئي أن المشاركة الواسعة في الانتخابات الرئاسية أثبتت أن إيران ما زالت بعد 30 سنة على قيام الثورة الإسلامية عصية على الهجمات السياسية والنفسية ، محذرا الإيرانيين من أن أعداء إيران قد يحاولون تخريب حلاوة هذه المناسبة عن طريق القيام باستفزازات سيئة النوايا .

وانتهى خامنئي إلى مطالبة الشباب الإيراني بتوخي الحيطة والحذر، كما ناشد مؤيدي كافة المرشحين تجنب الأقوال والأفعال الاستفزازية.

من هو نجاد؟

ولد محمود أحمدى نجاد في مدينة جارمسار بالقرب من طهران عام 1956 وكان والده يعمل حدادا ، وحصل على شهادة الدكتوراه فى النقل والمواصلات من جامعة طهران للعلوم والتكنولوجيا في بداية الثمانينات بعد أن انضم إلى الحرس الثورى الإيرانى طوعا عام 1979.

وكان محمود أحمدى نجاد شخصية غير معروفة عندما تم تعيينه عمدة لطهران في ربيع عام 2003 ، كما أنه لم يكن أكثر شهرة عندما خاض سباق انتخابات الرئاسة الإيرانية في 2005 ، لكنه في نتيجة أصابت المراقبين بالصدمة، جاء في المركز الثاني بين سبعة من المرشحين في الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة الإيرانية، ليخوض جولة ثانية من الانتخابات أمام الرئيس السابق أكبر هاشمي رافسنجاني ويحقق الفوز عليه بعد أن حظي بدعم المحافظين الذين يسيطرون على مقاليد السلطة في إيران .

وعندما كان أحمدى نجاد عمدة لطهران، وضع الكثير من القيود على الإصلاحات التى بدأها المعتدلون الذين كانوا يتولون إدارة شئون المدينة قبله، وأغلق الكثير من مطاعم الوجبات السريعة وطالب الموظفين من الرجال بإطلاق لحاهم وارتداء أكمام طويلة ، ما دفع الرئيس الإصلاحي المنتهية ولايته محمد خاتمي ، إلي منعه من حضور اجتماعات الحكومة،وهو امتياز عادة ما يحصل عليه من يشغلون منصب عمدة طهران.

ورغم أن أحمدى نجاد عرف عنه التشدد ، إلا أنه عرف عنه أيضا حياته البسيطة واحساسه بمعاناة الفقراء، ولذلك أطلق على نفسه لقب "ماردوميار" أو صديق الشعب كما أطلق عليه نصير الفقراء وعرف أيضا بـ "الأصولي الداهية" و"الرئيس الزئبقي" و" الثعلب " بالنظر لما يعرف عنه من "ذكاء ومكر" .

وعزا المراقبون فوزه لفترتين متتاليتين إلى تعهده بمحاربة الفساد ونجاحه فى استقطاب الطبقات المحرومة والمهمشة اقتصاديا، وإعلانه أن عائدات النفط لن تنحصر بأيدي بعض العوائل بل أن المواطن الإيراني العادى سوف يلحظها على مائدته أيضا .

مواضيع ذات صلة



0 التعاليق: