الكم غلب على الكيف في لسينما المصرية عام 2008

إن أي محاولة لتفسير أو تحليل الطريق الذي تسير عليه السينما المصرية، سواء كصناعة أو كفن قد لا تصل إلى أي نتائج منطقية، أما محاولة تخمين ما ستؤول إليه في العام القادم ـ وليس السنوات القليلة القادمة ـ ستبدو نوعاً من العبث، ذلك لأنه لا يوجد تخطيط واضح لأي شيء، ولا يوجد تخطيط محدد في شركات الإنتاج لتنفيذ أفلامها، وليس هناك تخطيط لتوزيع الأفلام المُنتجة والتي تنتظر فرصة للعرض عاماً بعد الآخر، ولا تتوفر لدى نجم واحد خطة محددة لمسار أفلامه في السنوات الخمس المقبلة. في الحقيقة لا أحد يعرف شيئا، وسياسة العمل في صناعة السينما المصرية مبنية على الفوضى والمصادفات، التطور يسير ببطء شديد، مع العلم أنه يسير في اتجاه الكم لا الكيف، فهذا العام وصل نتاج السينما المصرية إلى 47 فيلماً دفعة واحدة، منذ عدة سنوات بسيطة كان أقصى ما تستطيع السينما المصرية إنتاجه 27 فيلماً لا غير، هناك زيادة ملحوظة في عدد دور العرض، عدد كبير من شركات الإنتاج والتكتلات الإنتاجية ظهرت وهناك من في طريقه إلى الظهور، ميزانيات الأفلام أصبحت أكثر ضخامة عن ذي قبل، وحجم الاستثمار في السينما بات ملحوظاً.

وجود السينما المصرية في سوق المهرجانات الكبرى صار أمراً عادياً، الكثير من الآلات الحديثة أصبحت متوفرة في الاستوديوهات المصرية، التطور في صناعة السينما لا يمكن إنكاره على الإطلاق، ولكن في المقابل لا يزال المستوى الفني للفيلم المصري على وضعه، بل وربما يزداد سوءاً عن ذي قبل، هذا العام لم نجد فيلماً واحداً يليق بالمشاركة في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، فيما مضى كانت الشكوى دائماً من أن السينما المصرية لا تملك الإمكانيات المتاحة في الخارج، الآن ومع كل هذا التطور الملحوظ أين الخطأ؟

كيف نجحت المغرب والأردن والإمارات في تحقيق ما فشلت فيه السينما المصرية طوال تاريخها؟، كيف أصبحت تلك البلاد التي لا تزال سينماها في المهد، أكبر وأهم الدول السينمائية في الوطن العربي على كافة المستويات، في الصناعة والتجارة والتعليم والمهرجانات الدولية واستقطاب الأفلام العالمية للتصوير على أرضها. أما في مصر لا يزال الكثيرون ينظرون إلى السينما باعتبارها وسيلة ترفيه عائلية لا أكثر، ولا يزال الكثير من صناعها يعتبرونها مجرد مسرح كوميدي يمكنهم أن يمارسوا فيه ارتجالاتهم كما يشاؤون، ولا يزال أساتذة معهد السينما ينظرون لطلابهم كأنهم معاقون، في الحقيقة لا يزال كل شيء على حاله منذ سنوات وسنوات، وأصبح وجود فيلم مصري ممتاز حالة استثنائية فريدة لا تتكرر.

المتتبع لخريطة الأفلام المعروضة هذا العام سيلحظ أمراً غريباً، ففي النصف الأول من العام أي حتى شهر يونيو/ حزيران/ عرض 25 فيلما من بينها 5 أفلام كوميدية فقط، مما يشير إلى انحصار النوع الكوميدي بشكل ملحوظ مقابل الأنواع السينمائية الأخرى، في النصف الأول ستجد الأكشن والرعب والاجتماعي والرومانسي، وهو ما يعني أن السينما المصرية استوعبت الدرس وأصبحت قادرة على تقديم جميع الأنواع. في النصف الثاني من العام ستجد أن مجموع ما عرض هو 22 فيلماً، من بينها 16 فيلما كوميديا دفعة واحدة!!، الملاحظ إذن أن إنتاج الأفلام الكوميدية هو 21 فيلما من مجموع 47 فيلما، مما يعني أن الأفلام الكوميدية تقترب من نصف إنتاج العام، وهي لا تزال بنفس مستواها المعروف المعتمد على الاسكتشات البليدة فيما عدا أفلام قليلة. من ناحية أخرى لا تزال الموسمية مسيطرة على مشهد التوزيع الذي يتسبب في إعدام الكثير من الأفلام، ففي الموسم الصيفي الذي أصبح يبدأ في مايو/ مايس/ ـ نظراً لاقتراب شهر رمضان من فصل الصيف ـ عرض 15 فيلما، وفي عيد الفطر عرض 6 أفلام، وفي عيد الأضحى عرض 8 أفلام، أي أن أفلام المواسم بلغت 29 فيلما من مجموع ما عرض، تاركة 18 فيلماً فقط لتعرض في بقية العام بالكامل، والنتيجة لا تزال كما هي، الكثير من الأفلام لا تجد فرصة للعرض، والكثير من الأفلام تظل تعرض مدة طويلة حتى لو لم تحقق إيراداتها المنتظرة.

جزء من مشكلة السينما المصرية يكمن في رغبة الجميع في السير على الطريق الآمن، وأصبحت المخاطرة أمراً مخيفاً للكثير من النجوم والمنتجين، رغم أن التجربة أثبتت مراراً أن الكثير من المخاطر يُكتب لها النجاح، المخاطرات هذا العام تبدو قليلة للغاية، لكنها أثبتت نجاحها باقتدار، المخاطرة الانجح والأهم هي مخاطرة أحمد حلمي بتقديم فيلمه «آسف على الإزعاج» الذي ينتقل فيه إلى نوعية الدراما النفسية، مبتعداً عن خطه الثابت في الأفلام الكوميدية على مدار أفلامه السابقة، والنتيجة هي أنه قدم أفضل أفلام هذا العام باقتدار، الأمر لا يتوقف عند تغيير نوعية الفيلم فقط، لكن العناية بكل تفصيلة صغيرة وكبيرة في الفيلم، والحرص على تقديم أفضل نتيجة ممكنة في مختلف عناصر الفيلم، وهو ما تحقق في هذا العمل بالفعل، وهو ما يثبت أيضاً أن أحمد حلمي أذكى أبناء جيله دون شك.

المخاطرة الثانية كانت من العيار الثقيل، فكيف يمكن لمنتج مثل السبكي وكاتب مثل أحمد عبد الله ومخرج مثل سامح عبد العزيز أن يقدموا واحدا من أفضل أفلام العام، في الحقيقة لا أحد يملك إجابة، لاحظ أن خط إنتاج السبكي عاد لطبيعته في العام نفسه وأنتج فيلم «آخر كلام» للمطربة مادلين مطر، فيلم «كباريه» يملك عددا لا بأس منه من الثغرات والمشاكل الفنية المتعددة إضافة إلى نهايته الأخلاقية، لكن مع ذلك يملك سيناريو جيدا جداً وأداء مميزا من معظم طاقم التصوير، ناهيك أنه يتناول موضوعاً مصرياً صميماً. في الحقيقة فيلم «كباريه» طفرة لصناعة قد لا تتكرر مجدداً.

المخاطرة الثالثة هي جمع نجمين في حجم عمر الشريف وعادل إمام في فيلم واحد، النتيجة فنياً قد لا تكون مرضية تماماً، خاصة أن السيناريو أهمل عمر الشريف لقرابة النصف ساعة، لكن بشكل عام فإن هذه المخاطرة تعد الانجح في خط إنتاج شركته (فنياً وتجارياً) بعد فيلمها الأول «عمارة يعقوبيان»، «حسن ومرقص» الذي يعالج مشكلة الوحدة الوطنية في مصر، وكان يملك عوامل النجاح، فشعبية نجميه وموضوعه الحساس، ضمنا نتائج مقبولة.

ولكن ماذا عن بقية إنتاج السينما المصرية؟ في الحقيقة لن تجد أفلاما أخرى تستحق المشاهدة سوى فيلم «ليلة في القمر» لخيري بشارة، وفيلم «زي النهاردة» لعمرو سلامة، الذي أعلن عن نفسه كأفضل مخرج جديد هذا العام. هناك بعض الاجتهاد في أفلام أخرى ولكنها لم تستطع أن تتخطى عيوبها، وهناك أفلام مثل (جنينة الأسماك، ليلة البيبي دول، الريس عمر حرب، الوعد) تقف خلفها أسماء هامة مثل يسري نصر الله وعادل أديب وهاني فوزي ووحيد حامد، لكن النتيجة سلبية، وتمثل خيبات أمل حقيقية لمن انتظرها. وهناك أسماء أخرى تحاول تقديم سينما جادة وهامة ولكن أفلامهم كانت من أسوأ أفلام العام على الإطلاق مثل (الغابة، ألوان السما السبعة، قبلات مسروقة)، مخرجو هذه الأفلام يتحدثون عن السينما بفهم كبير وتستطيع أن تتلمس في مسيرتهم بارقة أمل في سينما جيدة، ولكن الناتج النهائي مخجل ومحير بالفعل، يبدو أن فهم السينما ونظرياتها ومتابعة أحدث إنتاج العالم، لا علاقة له بالموهبة والحرص على إتقان العمل.

وفي الوقت الذي تعلن فيه شركات الإنتاج عن أرقام خيالية لميزانيات مشاريعها تصل إلى 500 مليون جنيه، هناك صناع أفلام يبحثون في جيبهم عن جنيه واحد إضافي ليتمكنوا من إنجاز أعمالهم، ناهيك عن المعاملة السيئة التي تلقاها تلك الأعمال، وأشهرها هو فيلم «عين شمس» للمخرج إبراهيم البطوط الذي قام بتصويره بكاميرا رقمية، وعندما جاءته منحه لتحويله إلى شريط سينمائي، وجد صعوبات كبيرة عند عرضه. الرقابة رفضت الفيلم وتعاملت معه كفيلم مغربي وليس من إنتاج مصري، وفيلم «بصرة» للمخرج أحمد رشوان والذي تم تحويله هو الآخر إلى شريط سينمائي لا يزال ينتظر فرصة للعرض. أما المخرج يسري نصر الله الذي تقف وراءه شركة إنتاج ويستعين بتمويل أوروبي، فاضطر إلى تصوير بعض مشاهد فيلمه بكاميرا رقمية ليتمكن من إنجازه، أما المخرج خيري بشارة الذي تحول فيلمه أيضاً إلى شريط سينمائي، ففوجئ بعرض فيلمه مباشرة في أحد الأيام، من دون أدنى قدر ممكن من الدعاية، وبالتأكيد في أقل عدد ممكن من دور العرض، مما حرم الكثيرين من مشاهدة الفيلم. خط الإنتاج المصري غريب فعلاً، فمخرجون مهمون لا تزال مشاريعهم عالقة منذ سنوات في انتظار منح مؤجلة، في حين أن أفلاماً أخرى تحظى بميزانيات خيالية وهي دون المستوى، فكيف يمكن لجهاز السينما الذي يحرص على تقديم سينما جادة وجيدة أن ينتج فيلما مثل «قبلات مسروقة»؟، وما الذي نتوقعه عندما يصبح اسم السبكي على أربع شركات دفعة واحدة هذا العام؟ تخيل كم الأفلام الرديئة التي ستملأ السوق السينمائي، ذلك التخبط الإنتاجي هو ما دفع ممثلة مثل إلهام شاهين أن تنتج فيلمها بنفسها وهو «خلطة فوزية» إخراج مجدي أحمد علي، والذي يرى الكثيرون أنه فيلم جيد بالفعل (لم يعرض حتى الآن في دور العرض المصرية)، لكن كم فناناً يستطيع أن ينتج أفلامه بنفسه؟، حسناً السؤال المتبقي بعد كل ذلك، هل يمكن أن تصبح السينما المصرية أفضل في العام المقبل، أو في الأعوام الخمسة المقبلة على الأقل؟!.



مواضيع ذات صلة



0 التعاليق: