دروس من تشافيز للعرب وحكامهم

بقلم محمد الملط

بالرغم من أنه ليس عربيا ، إلا أنه قام بما لم يقم به أحد من حكام العرب ، وبالرغم من أنه ليس مسلما ، الا أنه اتخذ موقفا إيجابيا لم يستطع أحد من قادة المسلمين اتخاذه ، ومع أن بلاده ليست من الدول الكبرى إلا أنه جعلها أكبر من تلك الدول ، حينما قرر طرد السفير الإسرائيلي في كراكاس – عاصمة بلاده - ،احتجاجا على الحرب الصهيونية على قطاع غزة ، وتضامنا مع الشعب الفلسطيني ، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد ، بل أعلن : إن قتلَ المدنيين جريمة ضد الإنسانية، واصفًا الكيان الصهيوني بأنه كيانٌ قاتلٌ وضالع في عملية "إبادة".وأضاف أنه يجب إحالة رئيس الكيان إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي إثر الهجوم الصهيوني على غزة، وقال الرئيس الفنزويلي : إن بلاده تحاول إيصال مساعدات غذائية وطبية لسكان غزة.

قد يقول قائل: إن هذا الرئيس يحاول أن يضع لنفسه مكانا على خريطة السياسة الدولية بذلك الموقف ، ومع أن هذا حقه، إلا أن هذه الحجة مردود عليها ، لأنه في الأصل – من خلال تاريخه السياسي في حمكه لبلاده – رجل حر صاحب مبادىء ،فداخليا قد أمد الفقراء بالمال ليضيق الفوارق بينهم وبين الأغنياء ، وعلى الصعيد العالمي عرف تشافيز بعدة دعوات لخلق علاقات وطيدة بين الدول الأكثر فقرا في العالم، بدءا بدعوة للتكامل في أمريكا الجنوبية وإلى دعوته لحلف أفريقي - كاريبي - جنوب أمريكي، كما أنه صرح في عدة مناسبات دعمه لكفاح الشعب الفلسطيني واللبناني ، وندد بإسرائيل والولايات الأمريكية المتحدة ، ومن ثم فهو يعبر عن مواقف ثابتة لم يتغير ولم يتلون حسب الظروف والأحوال.

لقد كشف الرئيس الفنزويلى غالبية الحكام العرب بهذا الموقف الجريء الذي اتخذه، لم يخف من أن تَفرض أمريكا وأوروبا الحصار الإقتصادي على بلاده ، أو أن يشنوا عليه حملة اعلامية دولية تنتهي بمحاكمته دوليا لمعاداته للسامية ، أو أن يعلنوا الحرب على بلاده ليزيحوه من على كرسي الحكم ، لماذا كل هذا ؟ ، لأنه محبوب بين أفراد شعبه يعمل من اجل مصالحهم ، لذلك فقد أُختير تشافيز في عام 2006 ، كأحد أكثر 100 شخصية مؤثرة في مجلة التايم،و فاز بفترة رئاسية ثانية لمدة ست سنوات أخرى، وذلك بنسبة 61.35% من أصوات الناخبين ، و على إثر فوزه بالانتخابات أخذ ثقة البرلمان لتحويل الدولة إلى دولة إشتراكية.

إن تشافيز ليس حاكما عربيا يخاف على عرشه الذي استولى عليه بالقوة أو بالدكتاتورية أو بمساعدة دول أخرى ، لم يُطلق عليه فخامة الرئيس أو جلالة الملك أو سمو الأمير أو السلطان الأكبر ، إنه لم يعمل على تكريس الحكم ليورثه لابنه ، لم يهرب ويساعد في تهريب أموال البلاد للبنوك الأوروبية والأمريكية ، لم يترك شعبه يأكل الفتات وتوزع ثروات البلاد على قلة قليلة من الأشخاص من أراذل القوم وأرباب الجرائم ، لم يزور انتخابات ولم يعدل دساتير للإجهاز على من يخالفه، ولم يحول بلاده الى سجن كبير للشرفاء والعلماء والوطنيين المخلصين ، لمجرد اختلافهم معه في الرأي، لم يربط مصير بلاده اقتصاديا وسياسيا وعسكريا باحدى الدول الكبرى ،و...، ومن ثم فإن قراره دائما يصدر مجردا من أي تأثير سوى مصلحة بلاده.

لذلك فإن حكامنا الأجلاء لم يستطيعوا عقد مؤتمر – مجرد مؤتمر- حتى ولو للتنديد أو الشجب أو الإدانة ، إنهم لم يسمحوا لشعوبهم بأن تعبر عن نفسها بالمظاهرات والاحتجاجات ،أو بتقديم المعونات لأهالي غزة الذين إما يموتون سريعا بالقتل بالأسلحة الأمريكية الفتاكة على أيدي الإسرائيليين أو يموتون بطيئا بسبب الحصارالمفروض عليهم ، منهم من تآمر وخطط وساعد في هذه الحرب القذرة ، ومنهم من بررلليهود القيام بهذه المجزرة ، ومنهم من أعلن أن حماس هي السبب في كل ما جرى ، لا يخفي شماتته فيها وفي كل الشعب الفلسطيني، ومنهم من يستقبل الزعماء الإسرائيليين استقبال الفاتحين وأيديهم ملطخة بدماء الضحايا الفلسطينيين.

الدروس التي أرسلها الرئيس الفنزويلي ليست للقادة العرب فحسب ، ولكنها بالدرجة الأولى للشعوب العربية والإسلامية ، فعليها ألا تراهن على قادتها ، وأن تعتمد على نفسها – بعد الله سبحانه وتعالى - ، والأخذ بالأسباب لتعيد مجدها التليد الذى فقدته منذ أمد بعيد، ولو بذلت من أجله التضحيات الغالية من أموال وأنفس ، فإما الى النصر فوق الأنام وإما الى الله في الخالدين.



مواضيع ذات صلة



0 التعاليق: